هو حاتم بن عبدالله بن سعد الحشرج الطائي القحطاني و كنيته أبو عدي ، فارس شاعر جواد جاهلي يضرب المثل بجوده ، كان من أهل نجد و توفى عام 578 ميلادية في جبل عوارض في بلاد طيء .
حاتم الطائي هو نموذج الكرم عند العرب ، و الكرم عند حاتم يعني الحياة الحرة العزيزة ، فالإنسان إما أن يحيا كريماً جواداً و إما أن يرضى بالعيش مع الصعاليك .
و قد بلغ به حبه لضيفه أنه يتلذذ بخدمة ضيفه ، حيث قال :
و إني لعبد الضيف ما دام ثاوياً و ما في إلا تلك من شيمة العبد !
كان إذا أتى الليل أمر غلامه أن يوقد النار حتى يهتدي له من أضل طريقة فيأوي إلي منزل حاتم ، و من شدة كرمة كان يقول لغلامه إذا أحضرت لي ضيفاً فأنت حـر ، حيث قال :
أوقد ، فإن الليل ليل قـر و الريح ، يا موقد ، ريح صر
عسى يرى نارك من يمر إن جلبت ضيفـاً ، فأنت حـر
لقد أكتسب صفة الكرم من أمه عتبة بنت عفيف ، حيث كانت مفرطة في الكرم و الجود و لا تمسك شيئاً تملكه ، فلما رأى إخوتها فرطها بالكرم حجروا عليها و منعوها مالها ، و بعد مرور سنة ظنوا أنها اعتبرت بعد ما ذاقت مرارة الجوع و أعطوها صرمة ( جزء من إبلها ) ، فجاءتها امرأة كانت تأتيها كل سنة تسألها ، فقالت لها : دونك هذه الصرمة فخذيها ، فو الله لقد عضني من الجوع ما لا أمنع معه سائلاً أبداً ، ثم أنشدت تقول :
لعمري لقدماً عضني الجوع عضة فآليت ألا أمـنـع الدهـر جـائـعـا
فقولا لهذا اللائمي اليـوم : أعفني فإن أنت لم تفعل فـعـض الأصابعـا
فماذا عساكم أن تقولـوا لأختكـم سوى عذلكم ، أو عذل من كان مانعا ؟
و ماذا تـرون الـيـوم إلا طبيعة فكيف بتركـي يـا بـن أم الطبـائعـا
شعر حاتم الطائي كثير ضاع معظمه ، و هذه بعض من قصائده :
1
و إني لأعطي سائلـي ، و لربما أكلف ما لا أستطيع ، فـأكلف
و إني لمذموم ، إذا قيل : حاتـم نبا نبوة ، إن الكـريـم يعنف
سآبي ، و تأبى بي أصول كريمة و آباء صدق ، بالمودة ، شرفوا
و أجعل مـالـي دون عرضـي إنني كذلكم مما أفـيـد و أتلف
و إني لمـجـزي بما أنا كاسب و كل امرئ رهن بما هو متلف
2
يرى البخيل سبيل الـمـال واحـدة إن الجواد يـرى ، في ماله ، سبـلا
إن البخيل ، إذا مـات ، يتـبـعـه سوء الثناء ، و يحوي الوارث الإبلا
فاصدق حديثك ، إن الـمـرء يتبعه ما كـان يبني ، إذا ما نعشه حمـلا
ليت البخيل يـراه الـنـاس كلهـم كما يراهم ، فـلا يقرى ، إذا نـزلا
لا تعذليني على مـال وصلت بـه رحما ، و خير سبيل المال ما وصلا
يسعى الفتى ، و حمام الموت يدركه و كل يـوم يدني ، للفتى ، الأجـلا
3
و ما تشتكي قدري ، إذا الناس أمحلت أؤثفها طوراً ، و طـوراً أميرهـا
و أبـرز قـدري بالفضـاء ، قليلهـا يرى غير مضنون بـه ، و كثيرها
و إبلـي رهـن أن يكون كـريمهـا عقيراً ، أمام البيت ، حين أثيرهـا
أشـاور نفس الجـود ، حتى تطيعني و أترك نفس البخل ، لا أستشيرها
و ليس على نـاري حجـاب يكنهـا لمستوبص ليـلاً ، و لكن أنيرهـا
فـلا ، و أبيك ، ما يظل ابن جارتي يطوف حوالي قدرنا ، ما يطورهـا
و ما تشتكيني جارتي ، غـيـر أنها إذا غاب عنها بعلها ، لا أزورهـا
سيبلغها خـيـري ، و يرجع بعلهـا إليها ، و لم يقصر علي ستورهـا
4
أماوي! قد طـال التجنب و الهجر و قد عذرتني ، من طلابكم ، الـعـذر
أماوي! إن الـمـال غاد و رائح و يبقي ، من المال ، الأحاديث و الذكر
أماوي! إني لا أقول لـسـائـل إذا جـاء يوما ، حـل في مالنا نـزر
أماوي! إمـا مـانـع فـمبيـن و إمـا عـطـاء لا ينهنهه الـزجـر
أماوي! ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت نفس و ضاق بها الصدر
إذا أنا دلاني ، الذين أحـبـهـم لملحـودة ، زلـج جوانبهـا غـبـر
و راحـوا عجلاً ينفضون أكفهم يقولون : قـد دمـى أناملنا الحـفـر
أماوي! إن يصبح صداي بقفرة من الأرض ، لا ماء هناك و لا خمـر
ترى أم ما أهلكت لم يك ضرني و أن يدي مـمـا بخلت به صـفـر
أماوي! إني ، رب واحـد أمـه أجرت ، فلا قـتـل عليه و لا أسـر
و قد علم الأقوام ، لو أن حاتـم أراد ثـراء المال ، كـان لـه وفـر
و إني لا آلـو ، بمال ، صنيعة فـأولــه زاد ، و آخـره ذخــر
يفـك به العاني ، و يؤكل طيباً و مـا إن تعريـه القداح و لا الخمـر
نحن نفتقد في وقتنا الحاضر إلى شخصية حاتم الطائى ، نتفقد إلى من يفنى ماله من أجل أكرام الضيف