دعوني أعطيكم شيئاً جديداً لم تسمعوه من قبل عن أسرار الحجرة النبوية المشرفة على ساكنها أفضل الصلوات وأتم التسليمات
كنت في زيارة مع صديق لأحد تجار جدة المعروفين وهو الشيخ عبد الله بخش رحمه الله تعالى وكان ذلك قبل عدة سنوات ، وعندما دخلنا عليه في مختصر قريب من مجلسه العام ، كنت أنظر بتأمل إلى صورة مكبرة لشباك النبي صلى الله عليه وسلم تكاد تكون بحجم الشباك الشريف نفسه ، وقد ثبتت في صدر المختصر ، فجمال الصورة أخاذ للعين والقلب والروح معاً لما تطابقت فيه الألوان مع الواقع الذي تراه العين المجردة أمام صاحب الطلعة البهية صلى الله عليه وسلم ، فسألت الشيخ عبد الله وقلت لعله المصور فلان الذي نعرفه جميعاً بحرفنته في التصوير فأجاب بنعم ، وبعدها أخذنا الحديث عن المواجهة الشريفة وأسرار هذه البقعة الطاهرة .
طبعاً الشيخ رحمه الله توفاه الله قبل حوالي 3 سنوات تقريباً ، وهذه الزيارة لمنزله كانت قبل 10 سنوات ، لكنه وقتها وهو قد قارب على السبعين عاماً لا تزال ذاكرته تنبض بقوتها وعنفوانها فاسمعوه وهو يتحدث عن هذه الواقعة الغريبة حقاً.
يقول الشيخ عبد الله بخش رحمه الله :
على عهد الملك فيصل بلغه من خلال المسؤول عن إدارة الأوقاف بالمدينة المنورة وهو السيد حبيب محمود أحمد أن الأغوات المكلفين بكنس الحجرة النبوية الشريفة لاحظوا وجود قطع صغيرة من السيراميك المزركش على الأرض في منتهى طرف الستارة المشرفة التي يقع خلفها مقام المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ومقامي صاحبيه الأكرمين رضي الله عنهما ، مما يعني أنه تساقط لهذه القطع من الجدار الذي خلف الستارة ، وعلى الفور قام السيد حبيب بإخبار الملك فيصل ، الذي بادر جزاه الله خيراً بتفويضه بإتخاذ كل مايستلزم من أعمال الصيانة والترميم على أن يتم الأمر بسرية عالية ، وبدأ السيد حبيب يفكر بالطريقة والأسلوب المناسب ومرت الساعات والأيام عصيبة بالفعل .. لأن المهمة قد تكون سهلة كعمل مهني ، ولكن المهمة الأصعب تكمن في إختيار الرجل المناسب والأمين والثقة لهذه المهمة المشرفة ، إلى أن هدى الله السيد حبيب إلى فكرة الإتصال بي - أي المتحدث عبد الله بخش – للمشورة .
لقد هيأ الله لهذه المهمة العظيمة شابا بناء من الباكستان جاء لأداء العمرة وجاء إلى جدة وبقي بها لأشهر في زيارة أقاربه ، وقد اشتهر بحرفيته في صنعته وكسب يده ، كما عرفت فيه الأمانة والاخلاص ، وعلمت بوجوده في جدة ، فارسلت في طلبه واستضفته في منزلي لأختبر أمانته وأستطلع خلقه وتعامله فوجدت فيه ماعرف عنه ممن سبقوني ، وبعد تأكدي من مجاميع المواصفات التي تتطلبها المهمة فاتحته في الأمر فإذا بالشاب ينهار باكياً من شدة الفرح ، وماهي إلى أيام قلائل حتى رتبت له السفر إلى طيبة الطيبة برفقة من أثق به ، وهناك استقبله السيد حبيب وأسكنه في منزله ، إلى أن جاء اليوم الذي فتح له باب الحجرة النبوية الشريفة ، وبالفعل بدأ العمل من بعد أن تغلق أبواب المسجد الشريف ليلاً وحتى قبل الأذان الأول من صلاة فجر كل يوم .
يقول السيد حبيب محمود أحمد لي : في إحدى ليالي العمل كنت أدخل لأتفقد سير العمل وبينما انا كذلك داخل الحجرة المطهرة بدأت أشتم رائحة نفاذة لبخور العود فأعتقدت أن الاغوات المكلفين بتكنيس وتبخير وخدمة الحجرة الشريفة يقومون في هذه اللحظة بتبخيرها ، وماهي إلا لحظات وبدأت الرائحة الزكية تزداد أكثر فاكثر فقلت لربما الملك فيصل قدم إلى المدينة فجأة وأحب أن يشرف بنفسه على العمل وعادةً مايقوم الأغوات بوضع البخور ، فخرجت لأنظر خارج الحجرة الشريفة فلم أجد أحداً بل إن أبواب المسجد النبوي الشريف لا تزال على حالها منذ اغلقت بعد خروج جميع المصلين بعد أن صلوا العشاء ، فعدت ودخلت الحجرة النبوية مرةً أخرى وإذ أرى بأم عيني دخان بخور العود يخرج من داخل مقام المصطفى ويتسلل من خلال الستارة التي تحف حجراته صلى الله عليه وسلم فبدا قلبي بالخفقان وصرت أكثر من ذكر الله والصلاة على رسوله الكريم حتى قرب الأذان الأول لصلاة الفجر ، حيث تكرر هذا المشهد أكثر من مرة داخل الحجرة المباركة .. إنتهى كلامه)
وبهذ المناسبة أحب أن أقول لكم في ختام هذه المشاركة أن الله شهيد علي فيما نقلته عن الشيخ عبد الله بخش رحمه الله .. والله خير الشاهدين.
وجزاكم الله خيراً على هذا المنتدى المبارك وإتاحة الفرصة للتحدث عن بعض الكنوز والمفاخر في مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم.