pm
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الوطن هو الأرض التي أول ما رأت عيناك سهولها وبطاحها، وتغلغلت في رئتيك أنسامها، ولعبت بين أحجارها مع أترابك، وهي التي تشدك إليها حبال الحنين مهما بعدت وكما قال الشاعر:
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبداً لأول منزل
وقد تسابق الشعراء في هذا المجال، وكانت عاطفتهم صادقة ومشاعرهم جياشة، وكما أنشد البكري:
أحب بلاد الله ما بين منعج
إليّ وسلمى أن يصوب سحابها
بلاد بها نيطت عليّ تمائمي
وأول أرض مس جلدي ترابها
وكذلك يصف ابن الرومي حبه لوطنه ويذكر العلة في ذلك حيث يقول:
ولي وطن آليت ألاّ أبيعه
وألا أرى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمة
كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا
وحبَّبَ أوطان الرجال إليهم
مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكَّرتهم
عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا
وكذلك قال أعرابي يتشوق إلى وطنه:
ذكرت بلادي فاستهلت مدامعي
بشوق إلى عهد الصبا المتقادم
حننت إلى ربع به اخضر شاربي
وقُطّع عني قبل عقد التمائم
وكذلك قال إسحاق الموصلي في وصف شوقه لمدينته بغداد وما أصابه من الحزن على فراقها حيث يخاطب قلبه الذي راح ينفطر:
أتبكي على بغداد وهي قريبة
فكيف إذا ما ازددت عنها غداً بعدا
لعمرك ما فارقت بغداد عن قلى
لو أنا وجدنا من فراق لها بدا
كفى حزناً أن رحت لم أستطع لها
وداعاً ولم أحدث لساكنها عهدا
وقد قال صلى الله عليه وسلم
وهو خارج من مكة - كما روى القرطبي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما -
قال: (لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الغار التفت إلى مكة،
وقال: اللهم أنت أحب البلاد إلى الله، وأنت أحب البلاد إلي، ولولا
المشركون أهلك أخرجوني لما خرجت منك)، فنزلت الآية {وكأين من قرية هي أشد
قوة... الآية} [ذكره الثعلبي، وهو حديث صحيح].
وروى أيضاً الترمذي والحاكم وابن حبان وغيرهم؛ قول النبي صلى الله عليه
وسلم لمكة (ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت
غيرك)، وفي رواية: (والله إني لأعلم أنك خير أرض الله وأحبها إلى الله،
ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت).
............