بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ،وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله .. اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً .. أمْا بَعد ...
قالَ اللهُ تعالَى :
بسم الله الرحمن الرحيم
{ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ المُنشِئُونَ(72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ (73) } سورة الواقعة
قوله تعالى
{ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ }
لطيفة ( 1 ): لِمَ خصَّ ( المقوين ) بالذِّكْرِ ؟
المقصودُ ﺑ( المُقْوينَ ) -علَى قولِ أكثرِ المفسِّرينَ-: المُسافِرونَ ؛ مِنْ ( أَقْوَى ) إذا نَزَلَ بالقواءِ ؛ أي : الأرض الخالية ؛ ﻛ( أَصْحَرَ ) إذا دَخَل الصَّحْرَاء .
والنَّارُ يحتاجُ إليها المُسافِرُ والمقيمُ ؛ ولكنْ : خُصَّ المُسافرونَ بالذِّكْرِ ؛ لأنَّهم إليها أحوج .
جاءَ في « معالم التَّنزيل » (ص1272 - ط . دار ابن حزم) - للإمامِ البغويِّ - رحمه الله - :
والمعنَى : أنَّه ينتفِعُ بها أهلُ البوادي والأسفار ؛ فإنَّ منفعتهم بها أكثر من منفعةِ المقيمِ ؛ وذلك أنَّهم يوقِدونها ليلًا ؛ لتهربَ منهم السِّباع ، ويهتدي بها الضُّلَّال ، وغير ذلك مِنَ المنافِعِ ) انتهى .
وقد ذَكَرَ هذا السَّبَبَ عددٌ من المفسِّرينَ .
الإمامَ ابنَ قيِّمِ الجوزيَّةِ - رحمه الله - يذكُرُ سببًا آخَرَ ؛ يقولُ في كتابِهِ «طريق الهجرتين» (ص299 - ط . دار عالم الفوائد) :
وخصَّ ( المقوينَ ) بالذِّكْرِ - وإن كانَتْ منفعتُها عامَّةً للمُسافرينَ والمقيمينَ -؛ تنبيهًا لعبادِهِ - واللهُ أعلمُ بمُرادِه من كلامِه - علَى أنَّهم كلَّهم مسافِرون ، وأنَّهم في هذه الدَّارِ علَى جناحِ سفرٍ ، ليسوا مقيمينَ ولا مستوطنين ، وأنَّهم عابرو سبيلٍ ، وأبناءُ سفرٍ . انتهى .
وقالَ الشَّيخُ عبد الرَّحمن السعديُّ - رحمه الله - في تفسيرِه « تيسير الكريم الرَّحمن » (ص835 - ط . مؤسسة الرسالة) :
وخصَّ اللهُ المسافرينَ ؛ لأنَّ نفعَ المُسافرِ بذلك أعظم من غيره . ولعلَّ السبب في ذلك ؛ لأنَّ الدُّنيا كلها دار سفرٍ ، والعبدُ من حين وُلِدَ ؛ فهو مُسافِرٌ إلى ربِّهِ . فهذه النَّارُ جعلها اللهُ متاعًا للمسافرين في هذه الدَّار ، وتذكرةً لهم بدار القرارِ . انتهى .
لطيفة ( 2 ) : لِمَ قدَّم كونها تذكرة علَى كونِها متاعًا ؟
قالَ الفخرُ الرَّازيُّ - رحمه الله - في « مفاتيح الغيب » (29/ 185 - ط . دار الفكر) :
وفيه لطيفة: ( وهو أنَّه تعالَى قدَّم كونَها تذكرةً على كونِها متاعًا ؛ ليُعلمَ أنَّ الفائدةَ الأخرويَّة أتمُّ ، وبالذِّكْرِ أهمّ ) انتهى .
لطيفة ( 3 ) : ذكر الامام ابن كثير في تفسيره ؟
وقوله: ( وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والنضر بن عربي : معنى ( لِلْمُقْوِينَ ) المسافرين ، واختاره ابن جرير ، وقال : ومنه قولهم : " أقوت الدار إذا رحل أهلها "
وهذا التفسير أعم من غيره ، فإن الحاضر والبادي من غني وفقير الكل محتاجون للطبخ والاصطلاء والإضاءة وغير ذلك من المنافع . ثم من لطف الله تعالى أن أودعها في الأحجار ، وخالص الحديد بحيث يتمكن المسافر من حمل ذلك في متاعه وبين ثيابه ، فإذا احتاج إلى ذلك في منـزله أخرج زنده وأورى ، وأوقد ناره فأطبخ بها واصطلى ، واشتوى واستأنس بها ، وانتفع بها سائر الانتفاعات . فلهذا أفرد المسافرون وإن كان ذلك عامًّا في حق الناس كلهم . وقد يستدل له بما رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث أبي خِدَاش حَبَّان بن زَيد الشَّرعَبي الشَّامي ، عن رجل من المهاجرين من قَرَن ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " المسلمون شركاء في ثلاثة : النار والكلأ والماء " . وروى ابن ماجه بإسناد جيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ لا يُمْنَعْنَ: الماء والكلأ والنار" .
أسأل الله أن يعيذَنا مِنَ النَّارِ ، ويُدخلَنا الجنَّةَ مع الأبرارِ .
وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ ، وعلى آلِه وصحبه وسلَّم .