ولد حسن الكرمي عام 1905 في طولكرم بفلسطين وكان والده سعيد قاضيا، وإخوانه عبد الكريم الكرمي (أبو سلمي) الشاعر الفلسطيني المعروف، وأحمد صحفي معروف، تلقى تعليمه في طولكرم ثم انتقل إلى دمشق لإكمال تعليمه الثانوي، التحق بالكلية الانكليزية في القدس عام 1925 وعمل مدرسا للرياضيات واللغة الانكليزية بالجامعة العربية، وتخصص في أصول التربية والتعليم وعلم الإحصاء التربوي عام1937-1938 من جامعة لندن، عمل في الإذاعة البريطانية وقدم برامج عديدة، ألف عدد من المعاجم (المنار، الهادي، المغني، المغني الكبير)، وكان يرى صناعة المعاجم أصعب من صناعة الرياضيات.
ترجم كتاب (التفكير السليم والتفكير الأعوج) للكاتب ثاولس وكتاب (العرب والمسلمون في الأندلس) للكاتب هنري تشارلس، يتمتع بصداقات مع الرؤساء العرب(جمال عبد الناصر، أحمد حسن البكر، الحسن الثاني، الشيخ زايد، بورقيبة، الملك فيصل)، وقد صل على أعلى وسام من ملكة بريطانيا، وحصل على هدية (300) دينارمن الشيخ زايد لإجابته بيت من الشعر.
برنامج (قول على قول) هو برنامج أدبي يقدمه الأستاذ الكرمي بنبرة صوته المعروفة (سألني المستمع من القائل ...وما المناسبة)، الذي استمر أكثر من (30) عاما بصورة متواصلة وكان يتابعه العرب في مختلف أرجاء المعمورة، المستمعون الذي عاشوا فترة السبعينات والثمانينات يتذكرون البرنامج الذي تم طبع حلقاته إلى (14) مجلدا ونفذت من الأسواق بسرعة.
والكرمي شخصية موسوعية معروفة مهتمة بالتراث يحظى بالاهتمام والتقدير بذل جهودا كبيرة في خدمة المستمعين الذين كانوا يتابعون برامجه ومحاضراته، لديه مكتبة كبيرة تضم كتب نادرة أصدر سلسلة بالانكليزية عن العرب و الإسلام للطلبة 'الأجانب'، كان الأستاذ الكرمي مترجما خدم الأمة العربية وأفنى زهرة شبابه.
طلب الرئيس جمال عبد الناصر من وزير الثقافة أن يلتقي بأساتذة الجامعات المختصين في اللغة العربية ويحثهم على تقديم برنامج أدبي على غرار برنامج (قول على قول) وبعد فترة اعتذروا عن تقديم مثل هذا البرنامج لعدم إمكانيتهم، وكان أسلوبه في البرنامج، سألني المستمع (فلان بن فلان) من القائل وما المناسبة إذا كان الطباع طباع سوء فلا أدب يفيد ولا أديب هذا البيت لا يعرف قائله وإنما هو حكاية لأعرابية مذكورة في كثير من الكتب، هي أن بعضهم دخل البادية وإذا بعجوز قاعدة وبين يديها شاة متقولة وإلى جانبها ذئب فقالت له أتدري ماهذه؟ قال لا، قالت هذا جرو ذئب أخذناه صغيرا وأدخلناه بيتنا وربيناه فلما كبر فعل بشاتي ما ترى، فأنشدت: بقرت شويهتي وفجعت قومي وأنت لشاتنا ابن ربيب غذيت بدرها، ونشأت معها فمن أنباك أن أباك ذيب إذا كان الطباع طباع سوء فلا أدب يفيد ولا أديب، وهذا يشبه حكاية مشهورة، أن قوما خرجوا للصيد فطاردوا ضبعة حتى ألجأها خباء أعرابي فأجارها وجعل يطعمها ويسقيها، فبينما هو نائم ذات يوم وثبت عليه وبقرت بطنه وهربت، فجاء ابن عم له يطلبه فوجده ميتا فخرج وتبع الضبعة وقتلها وقال: من يصنع المعروف فيغير أهله يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر أعد لها لما استجارت بيته أحاليب ألبان اللقاح الدرائر، وأسمنها حتى إذا ما تمكنت فرته بأنياب لها وأظافر، فقل لذي المعروف هذا جزاء من يؤد معروف على غير شاكر.
توفي الكرمي ودفن في عمان عن عمر ناهز (100) عام قضاها في البحث والتأليف والترجمة، رحم الله أستاذنا الكرمي ترك لنا تراثا زاخرا وكتب قيمة وهي عصارة أفكاره طيلة عمره
بقلم: محمد صالح ياسين الجبوري
إعلامي وكاتب صحفي -الموصل -العراق