كان سعد بن أبي وقاص يدرك هذه الحقيقة، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد دعا له
صلى الله عليه وسلم بسداد الرمي وإجابة الدعوة، فكان إذا دعا أجيبت دعوته كفلق الصبح.
أرسل عمر رضي الله عنه أناساً من الصحابة يسألون عن عدل سعد في الكوفة ، فأثنى الناس عليه خيراً،
ولما أتوا في مسجد حي لبني عبس قام رجل فقال: أما سألتموني عنسعد ؟
فإنه لا يعدل في القضية، ولا يحكم بالسوية، ولا يمشي مع الرعية.
فقال سعد : [اللهم إن كان قام هذا رياءً وسمعةً فأعم بصره، وأطل عمره، وعرضه للفتن].
فطال عمر هذا الرجل، وسقط حاجباه على عينيه، وأخذ يتعرض للجواري
ويغمزهن في شوارعالكوفة ، ويقول: شيخ مفتون، أصابني دعوة سعد .
إنه الاتصال بالله عز وجل، وصدق النية معه، والوثوق بموعوده، تبارك الله رب العالمين.
وفي سير أعلام النبلاء :
عنسعد أيضاً: أن رجلاً قام يسب علياًرضي الله عنه، فدافعسعد عن علي ، واستمر الرجل
في السب والشتم، فقال سعد: اللهم اكفنيه بما شئت.
فانطلق بعير من الكوفة فأقبل مسرعاً، لا يلوي على شيء، وأخذ يدخل من بين الناس حتى وصل
إلى الرجل، ثم داسه بخفيه، حتى قتله أمام مشهد ومرأى من الناس.
((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ)).
وإنني أعرض لك هذه القصص لتزداد إيماناً ووثوقاً بموعود ربك، فتدعوه وتناجيه،
وتعلم أن اللطف لطفه سبحانه، وأنه قد أمرك في محكم التنزيل فقال:
((ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)).
((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)).
لقد استدعىالحجاجالحسن البصري ليبطش به وذهب الحسن وما في ذهنه إلا عناية الله ولطيف الله،
والوثوق بوعد الله، فأخذ يدعو ربه، ويهتف بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى،
فيحول الله قلبالحجاج ، ويقذف في قلبه الرعب، فما وصلالحسن إلا وقد تهيأالحجاج لاستقباله،
وقام إلى الباب، واستقبلالحسن ، وأجلسه معه على السرير، وأخذ يطيب لحيته،
ويترفق به، ويلين له في الخطاب!!
فما هو إلا تسخير رب العزة والجلال.
إن لطف الله يسري في العالم، في عالم الإنسان، في عالم الحيوان، في البر والبحر،
في الليل والنهار، في المتحرك والساكن،
((وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)).
صح: أنسليمان عليه السلام قد أوتي منطق الطير، خرج يستسقي بالناس، وفي طريقه من بيته
إلى المصلى رأى نملة قد رفعت رجليها تدعو رب العزة، تدعو الإله الذي يعطي ويمنح ويلطف ويغيث،
فقال سليمان: أيها الناس، عودوا فقد كفيتم بدعاء غيركم.
فأخذ الغيث ينهمر بدعاء تلك النملة، النملة التي فهم كلامها سليمانعليه السلام،
وهو يزحف بجيشه الجرار، فتعظ أخواتها في عالم النمل:
((قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ
وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا)).
في كثير من الأحيان يأتي لطف الباري سبحانه وتعالى بسبب هذه العجماوات.
وقد ذكر أبو يعلى في أثر قدسي أن الله يقول:
(وعزتي وجلالي، لولا شيوخ ركع، وأطفال رضع، وبهائم رتع، لمنعت عنكم قطر السماء).
المصدر / لا تحزن / فضيلة الشيخ: عائض القرني